Hukum Jabatan Tangan Bukan Mahram Fatwa Qaradhawi

Fatwa Qaradhawi tentang Hukum Jabanan Tangan atau bersalaman (Arab, musafahah) antara laki-laki dan perempuan yang Bukan Mahram (muhrim)
Fatwa Qaradhawi tentang Hukum Jabanan Tangan atau bersalaman (Arab, musafahah) antara laki-laki dan perempuan yang Bukan Mahram (muhrim)


المصافحة بين الرجال والنساء

ما حكم المصافحة باليد بين الرجال والنساء خصوصًا الأقارب وما تدعو إليه الحاجة كالقدوم من سفر أو الشفاء من مرض أو العودة من حج أو عمرة ونحو ذلك من المناسبات.
يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي:

قضية مصافحة الرجل للمرأة قضية شائكة، وتحقيق الحكم فيها بعيدًا عن التزمت والترخص يحتاج إلى جهد نفسي وفكري وعملي حتى يتحرر المفتي من ضغط الأفكار المستوردة، والأفكار المتوارثة جميعًا إذا لم يكن يسندها كتاب ولا سنة، وحتى يستطيع مناقشة الأدلة وموازنة الحجج بعضها ببعض لاستخلاص الرأي الأرجح والأدنى إلى الحق في نظر الفقيه، الذي يتوخى في بحثه إرضاء الله، لا موافقة أهواء النساء.

وقبل الدخول في البحث والمناقشة أود أن أخرج صورتين من مجال النزاع أعتقد أن حكمهما لا خلاف عليه بين متقدمي الفقهاء فيما أعلم:

الأولى: تحريم المصافحة للمرأة إذا اقترنت بها الشهوة والتلذذ الجنسي من أحد الطرفين: الرجل أو المرأة، أو خيفت فتنة من وراء ذلك في غالب الظن، وذلك أن سد الذريعة إلى الفساد واجب، ولاسيما إذا لاحت علاماته، وتهيأت أسبابه.

ومما يؤكد هذا ما ذكره العلماء أن لمس الرجل لإحدى محارمه، أو خلوته بها وهي من قسم المباح في الأصل تنتقل إلى دائرة الحرمة إذا تحركت الشهوة، أو خيفت الفتنة(1)، وخاصة مع مثل بنت الزوجة أو الحماة أو امرأة الأب، أو أخت الرضاع، اللائي ليس لهن في النفوس ما للأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو نحوها.

الثانية: الترخيص في مصافحة المرأة العجوز التي لا تشتهى، ومثلها البنت الصغيرة التي لا تشتهي؛ للأمن من أسباب الفتنة، وكذلك إذا كان المصافح شيخًا كبيرًا لا يشتهي.
وذلك لما روى عن أبي بكر ((رضي الله عنه)) أنه كان يصافح العجائز، وعبد الله بن الزبير استأجر عجوزًا تمرضه، فكانت تغمزه وتفلي رأسه.(2)

ويدل لهذا ما ذكره القرآن في شأن القواعد من النساء، حيث رخص لهن في التخفف من بعض أنواع الملابس ما لم يرخص لغيرهن: **وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ [النور: 60].

ومثل ذلك استثناء غير أولي الإربة من الرجال، أي الذين لا إرب لهم في النساء، والأطفال الذين لم يظهر فيهم الشعور الجنسي لصغر سنهم من نهي المؤمنات عن إبداء الزينة: **أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء{ [النور: 31]، وما عدا هاتين الصورتين، فهو محل الكلام ،وموضع البحث والحاجة إلى التمحيص والتحقيق:

فالذين يوجبون على المرأة أن تغطي جسمها، حتى الوجه والكفين، ولا يجعلونهما من المستثنى المذكور في قوله تعالى: **وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا{ بل يجعلون ما ظهر منها الثياب الظاهرة، كالملاءة والعباءة ونحو ذلك، أو ما ظهر منها بحكم الضرورة كأن ينكشف منها شيء عند هبوب ريح شديدة أو نحو ذلك.

هؤلاء، لا عجب أن تكون المصافحة عندهم حرامًا لأن الكفين إذا وجبت تغطيتهما كان النظر إليهما محرما، وإذا كان النظر محرمًا كان المس كذلك من باب أولى، لأن المس أغلظ من النظر، لأنه أقوى إثارة للشهوة، ولا مصافحة دون أن تمس البشرة البشرة.

ولكن المعروف أن أصحاب هذا القول هم الأقلون، وجمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، يجعلون المستثنى في قوله تعالى: **إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا{ الوجه والكفين.
فما الدليل عندهم على تحريم المصافحة إذا لم تكن لشهوة ؟

الحقيقة أنني بحثت عن دليل مقنع منصوص عليه، فلم أعثر على ما أنشده وأقوى ما يستدل به هنا، هو سد الذريعة إلى الفتنة، وهذا مقبول من غير شك عند تحرك الشهوة، أو خوف الفتنة بوجود أماراتها، ولكن عند الأمن من ذلك وهذا يتحقق في أحيان كثيرة ما وجه التحريم ؟ ومن العلماء من استدل بترك النبي ((صلى الله عليه وسلم)) مصافحة النساء عندما بايعهن يوم الفتح بيعة النساء المشهورة، على ما جاء في سورة الممتحنة.

ولكن من المقرر أن ترك النبي((صلى الله عليه وسلم)) لأمر من الأمور لا يدل بالضرورة على تحريمه، فقد يتركه لأنه حرام، وقد يتركه لأنه مكروه، وقد يتركه لأنه خلاف الأولى، وقد يتركه لمجرد أنه لا يميل إليه، كتركه أكل الضب مع أنه مباح.
وإذن يكون مجرد ترك النبي((صلى الله عليه وسلم)) للمصافحة لا يحمل دليلاً على حرمتها، ولابد من دليل آخر لمن يقول بها.

على أن ترك مصافحة النبي ((صلى الله عليه وسلم)) للنساء في المبايعة ليست موضع اتفاق، فقد جاء عن أم عطية الأنصارية رضى الله عنها ما يدل على المصافحة في البيعة، خلافًا لما صح عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، حيث أنكرت ذلك وأقسمت على نفيه.

روى البخاري في صحيحه عن عائشة: أن رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية يقول الله تعالى:**يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{[الممتحنة:12]، قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) :"قَدْ بَايَعْتُكِ" كلامًا ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله :"قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ".(3)

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" في شرح قول عائشة :"ولا والله" الخ : فيه القسم لتأكيد الخبر، وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية، فعند ابن حبان، والبزار والطبري، وابن مردويه، من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قالت:فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: "اللّهُمَّ اشْهَدْ".(4)وكذا الحديث الذي بعده يعني بعد الحديث المذكور في البخاري حيث قالت فيه:"فقبضت امرأة يدها"(5)فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن.

قال الحافظ : ويمكن الجواب عن الأول : بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة، وإن لم تقع المصافحة، وعن الثاني بان المراد بقبض اليد: التأخر عن القبول؛ إذ كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي ((صلى الله عليه وسلم)) حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده، وقال:"لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ" وفي مغازي ابن إسحاق: أنه كان ((صلى الله عليه وسلم)) يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها معه.

قال الحافظ: ويحتمل التعدد، يعني أن المبايعة وقعت أكثر من مرة، منها ما لم يمس يد امرأة فقط لا بحائل ولا بغيره إنما يبايع بالكلام فقط، وهو ما أخبرت به عائشة، ومنها ما صافح فيه النساء بحائل، وهو ما رواه الشعبي.

ومنها : الصورة التي ذكرها ابن إسحاق من الغمس في الإناء والصورة التي يدل عليها كلام أم عطية من المصافحة المباشرة.

ومما يرجح احتمال التعدد: أن عائشة تتحدث عن بيعة المؤمنات المهاجرات بعد صلح الحديبية، أما أم عطية فتتحدث فيما يظهر عما هو أعم من ذلك وأشمل لبيعة النساء المؤمنات بصفة عامة، ومنهن أنصاريات كأم عطية راوية الحديث، ولهذا ترجم البخاري لحديث عائشة تحت عنوان باب: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) ولحديث أم عطية باب: (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك).

والمقصود من نقل هذا كله: أن ما اعتمد عليه الكثيرون في تحريم المصافحة من ترك النبي ((صلى الله عليه وسلم)) لها في بيعة النساء، ليس موضع اتفاق، كما قد يظن الذين لا يرجعون إلى المصادر الأصلية، بل فيه الخلاف الذي ذكرناه.

وقد استدل بعض العلماء المعاصرين على تحريم مصافحة المرأة بما أخرجه الطبراني والبيهقي عن معقل بن يسار عن النبي((صلى الله عليه وسلم)) قال : "لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يِمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ"(6) قال المنذري في الترغيب : ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. والمخيط: آلة الخياطة كالإبرة والمسلة ونحوها.
ويلاحظ على الاستدلال بهذا الحديث ما يلي:

1- أن أئمة الحديث لم يصرحوا بصحته واكتفى مثل المنذري أو الهيثمي أن يقول : رجاله ثقات أو رجال الصحيح، وهذه الكلمة وحدها لا تكفي لإثبات صحة الحديث لاحتمال أن يكون فيه انقطاع، أو علة خفية، ولهذا لم يخرجه أحد من أصحاب الدواوين المشهورة، كما لم يستدل به أحد من الفقهاء في الأزمنة الأولى على تحريم المصافحة ونحوه.

2- أن فقهاء الحنفية، وبعض فقهاء المالكية قالوا: إن التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه، مثل القرآن الكريم والأحاديث المتواترة ومثلها المشهورة، فأما ما كان في ثبوته شبهة، فلا يفيد أكثر من الكراهة مثل أحاديث الآحاد الصحيحة، فكيف بما يشك في صحته؟

3- على فرض تسليمنا بصحة الحديث، وإمكان أخذ التحريم من مثله، أجد أن دلالة الحديث على الحكم المستدل عليه غير واضحة، فكلمة "يِمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ" لا تعنى مجرد لمس البشرة للبشرة بدون شهوة، كما يحدث في المصافحة العادية..بل كلمة "المَسّ" حسب استعمالها في النصوص الشرعية من القرآن والسنة تعني أحد أمرين :

1- أنها كناية عن الصلة الجنسية "الجماع" كما جاء ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: **أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء{[النساء:43] أنه قال: اللمس الملامسة والمس في القرآن كناية عن الجماع..واستقراء الآيات التي جاء فيها المس يدل على ذلك بجلاء، كقوله تعالى على لسان مريم: **أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ{[آل عمران:47]، **وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ{[البقرة:237] وفي الحديث أن النبي ((صلى الله عليه وسلم)) كان يدنوا من نسائه من غير مسيس. (7)

2- أنها تعني ما دون الجماع من القبلة والعناق والمباشرة ونحو ذلك مما
هو مقدمات الجماع وهذا ما جاء عن بعض السلف في تفسير الملامسة:قال الحاكم في كتاب الطهارة من "المستدرك على الصحيحين": (قد اتفق البخاري ومسلم على إخراج أحاديث متفرقة في المسندين الصحيحين يستدل بها على أن اللمس ما دون الجماع .

أ- منها:حديث أبي هريرة: "فَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ".
ب- وحديث ابن عباس: "لَعَلَّكَ مَسَسْتَ".

ج- وحديث بن مسعود "وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ"يشير إلى ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود، وفي بعض رواياته : أن رجلًا أتى النبي ((صلى الله عليه وسلم)) فذكر أنه أصاب من امرأة، إما قبلة أو مسًا بيده، أو شيئًا، كأنه يسأل عن كفارتها، فأنزل الله عز وجل..يعني آية: **وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ{[هود:114]، رواه مسلم بهذا اللفظ في كتاب التوبة قال:وقد بقي عليهما أحاديث صحيحة في التفسير وغيره) وذكر منها:

د - عن عائشة قالت : قل يوم، إلا وكان رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) يطوف علينا جميعًا تعنى نساءه فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هي يومها ثبت عندها".
ه*- وعن عبد الله بن مسعود قال: **أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء{ هو ما دون الجماع وفيه الوضوء.
و- وعن عمر قال: "إن القبلة من اللمس فتوضأ منها".(8)
ومن هنا كان مذهب مالك، وظاهر مذهب أحمد: أن لمس المرأة الذي ينقض الوضوء هو ما كان بشهوة، وبه فسروا قوله تعالى: **أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء {وفي القراءة الأخرى: **أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاء {.
ولهذا ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه قول من فسروا الملامسة أو اللمس في الآية بمجرد مس البشرة ولو بلا شهوة، ومما قاله في ذلك:

(فأما تعليق النقض بمجرد اللمس، فهذا خلاف الأصول، وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص ولا قياس فإن كان اللمس في قوله تعالى : **أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء{ إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك كما قال ابن عمر وغيره فقد علم أنه حيث ذكر ذلك في الكتاب والسنة، فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف: **وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد{ ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه، بخلاف المباشر لشهوة وكذلك قوله: ** ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ{ [الأحزاب:49] وقوله: **لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ{[البقرة: 236]، فإن لو مسها مسيسًا خاليًا من غير شهوة لم يجب به عدة، ولا يستقر به مهر، و لا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء.

من زعم أن قوله: **أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء{ يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن، بل وعن لغة الناس في عرفهم، فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة، كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة، علم أن الوطء بالفرج لا بالقدم(9).أ.ه*ـ .

وذكر ابن تيمية في موضع آخر: أن الصحابة تنازعوا في قوله تعالى: **أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء{ فكان ابن عباس وطائفة يقولون : الجماع، ويقولون : الله حيي كريم يُكَني بما شاء عما شاء، قال : وهذا أصح القولين وقد تنازع العرب والموالي في معنى اللمس: هل المراد به الجماع أو ما دونه ؟ فقالت العرب : الجماع، وقالت الموالي: هو ما دونه، وتحاكموا إلى ابن عباس فصوب العرب، وخطأ الموالي.(10)

والمقصود من نقل هذا الكلام كله أن نعلم كلمة "المس" أو "اللمس" حين تستعمل من الرجل للمرأة، لا يراد بها مجرد وضع البشرة على البشرة، بل المراد بها إما الجماع، وإما مقدماته من التقبيل والعناق، ونحو ذلك من كل مس تصحبه الشهوة والتلذذ.

على أننا لو نظرنا في صحيح المنقول عن رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) لوجدنا ما يدل على أن مجرد لمس اليد لليد بين الرجل والمرأة بلا شهوة ولا خشية فتنة، غير ممنوع في نفسه، بل قد فعله النبي ((صلى الله عليه وسلم)) والأصل في فعله أنه للتشريع والاقتداء: **لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ{[الأحزاب:21]. فقد روى البخاري في كتاب "الأدب" من صحيحه عن أنس بن مالك ((رضي الله عنه)) قال: "إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة ؛ لتأخذ بيد رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) فتنطلق به حيث شاءت، وفي رواية للإمام أحمد عن أنس أيضًا قال: "إن كانت الوليدة يعني الأمة من ولائد أهل المدينة لتجئ، فتأخذ بيد رسول الله((صلى الله عليه وسلم))، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت" وأخرجه ابن ماجة أيضًا.

قال الحافظ في الفتح : "والمقصود من الأخذ باليد لازمه، وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع، لذكره المرأة دون الرجل، والأمة دون الحرة، وحيث عمم بلفظ "الإماء" أي أمة كانت، وبقوله: "حيث شاءت" أي مكان من الأمكنة، والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك، وهذا دليل على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر((صلى الله عليه وسلم)) (11)

وما ذكره الحافظ رحمه الله مسلم في جملته، ولكن صرْفه معنى الأخذ باليد عن ظاهره إلى لازمه وهو الرفق والانقياد غير مسلم؛ لأن الظاهر واللازم مرادان معًا.. والأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره، إلا أن يوجد دليل أو قرينة معينة تصرفه عن الظاهر، ولا أرى هنا ما يمنع ذلك، بل إن رواية الإمام أحمد، وفيها : "فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت" لتدل على أن الظاهر هو المراد، وأن من التكلف والاعتساف الخروج عنه.

والذي يطمئن إليه القلب من هذه الروايات أن مجرد الملامسة ليس حرامًا..فإذا وجدت أسباب الخلطة كما كان بين النبي ((صلى الله عليه وسلم)) وأم حرام وأم سليم، وأمنت الفتنة من الجانبين، فلا بأس بالمصافحة عند الحاجة كمثل القادم من سفر، والقريب إذا زار قريبة له أو زارته، من غير محارمه، كابنة الخال، أو ابنة الخالة، أو ابنة العم، أو ابنة العمة، أو امرأة العم، أو امرأة الخال أو نحو ذلك، وخصوصًا إذا كان اللقاء بعد طول غياب.
والذي أحب أن أؤكده في ختام هذا البحث أمران :

الأول: أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة، وأمن الفتنة، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين: أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك، بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته، أو عمته، أو أخته من الرضاع، أو بنت امرأته، أو زوجة أبيه، أو أم امرأته، أو غير ذلك، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا.
بل لو فقد الشرطان بين الرجل وصبي أمرد، حرمت مصافحته أيضًا، وربما كان في بعض البيئات، ولدى بعض الناس، أشد خطرًا من الأنثى.

الثاني: ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة،كالأقارب والأصهار الذين بينهم خلطة وصلة قوية، ولا يحسن التوسع في ذلك، سدًا للذريعة وبعدًا عن الشبهة، وأخذًا بالأحوط، واقتداءً بالنبي ((صلى الله عليه وسلم)) الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط، وأفضل للمسلم المتدين، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة ولكن إذا صوفح صافح.
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد..والله اعلم(12)

1- انظر: الاختيار لتعليل المختار في فقه الحنفية، ج4 ، ص 155.
2- المرجع السابق4، ج، ص (155-156).
3- رواه البخاري.
4- رواه البخاري.
5- رواه البخاري.
6- رواه الطبراني في المعجم الكبير ورمز له السيوطي بالضعف.
7- رواه أحمد وأبو داود.
8- انظر: المستدرك للحاكم، ج1، ص135.
9- انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج21، ص(223-224)، ط الرياض.
10- انظر المرجع السابق.
11- فتح الباري، ج13، ص601.
12- د . يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة، ص( 291-302

LihatTutupKomentar